من اصول عقيدة السلف الصالح؛ اهل السنة والجماعة؛
أنهم لا يخرجون احدا من الإسلام فعل فعلا مكفرا، إذا كان جاهلا أو متأولا أو مكرها-إن كان قلبه مطمئنا بالإيمان-إلا إقامة الحجة عليه؛ التي يكفر تاركها،
ولا يكفرون أحدا من المسلمين بكل ولو كان من كبائر الذنوب في هي دون الشرك؛ فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بكفر، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحله ويجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة، لأن الله تعالى يقول؛
(إن الله لا يغفر إن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)،
ويقول؛(قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)،
لأن اصل الكفر؛ هو التكذيب المتعمد، وشرح الصدر له، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، ولا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك، ولا سيما مع الجهل، قال الله تعالى؛
(ولكن من شرح بالكفر صدرا)،
ولم يكفروا أحدا ما لم يدل دليل من الكتاب والسنة على كفره، وإذا مات على هذا؛ فأمره إلى الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ خلافا للفرق الضالة التي تحكم على مرتكب الكبيرة بالكفر، أو بمزلة بين المنزلتين،
والنبي صلى الله عليه وسلم؛ حذر من ذلك وقال؛(أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)،
وقال؛(من دعا رجلا بالكفر، أو قال عدو الله وليس كذلك؛ إلا حار عليه)، أي رجع،
وقال؛(لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)
وقال؛(ومن رمى مؤمنا بكفر؛ فهو قتله)،
وأهل السنة والجماعة يفرقون بين الحكم المطلق على اصحاب البدع بالمعصية أو الكفر وبين الحكم على شخص معين-ممن ثبت اسلامه بيقين-صدرت عنه بدعة من البدع؛ بإنه عاص أو فاسق أو كافر؛ فلا يحكمون عليه بذلك حتى يبين له الحق وذلك بإقامة الحجة وإزالة الشبهة، ولا يكفرون المعين إلا إذا تحققت فيه شروط وانتفت الموانع
وللسلفيين اهل السنة والجماعة قاعدة؛(من ثبت إسلامه بيقين فلا زوال بشك)، وعلى ضوءها سار سلفنا الصالح، فكانوا ابعد الناس من التكفير، ولذلك لما سئل علي بن ابي طالب رضي الله عنه عن اهل النهروان (أكفارهم؟ قال؛ من الكفر فروا، فسئل؛ أمنافقون هم؟ قال؛ المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، وأولئك يذكرون الله صباح مساء؛ وإنما هم أخواننا بغوا علينا)، اخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج8 ص173،
ومن الضروري جدا ان نفرق بين النوع والعين في التكفير ذلك إنه ليس كل ما هو كفر يكفر به الشخص بعينه؛ فينبغي التفرقة بين الحكم على القول بأنه كفر والحكم على صاحب القول بأنه كافر، فمثلا القول بأن الله في كل مكان كفر، وإن كلام الله مخلوق كفر، وإن نفي الصفات الإلهية كفر،،،فمثل هذه الأحكام من باب الحكم على النوع والقول، أما حينما يتعلق الأمر بشخص معين فأنه ينبغي عندئذ التوقف وعدم الحكم عليه بالكفر حتى يسئل ويناقش؛ لأنه من الممكن إن الحديث لم يثبت عنده أو أنه قد يكون متأولا، أو لم يتمكن من فهم النصوص، أو جاهلا؛ فإذا انتفت الشبهة بعد المناقشة وأقيمت الحجة عليه؛ فإن الأمر بعد ذلك يصبح مختلفا لأن المتأول والجاهل ليس حكمه حكم المعاند والفاجر،
قال شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه؛(فالمتأول الجاهل والمعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر؛ بل قد جعل الله لكل شيء قدرا)، مجموعة الرسائل والمسائل 5/382،
وقال رحمه الله؛(وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه مع الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة بالرسالة التي يبين بها لهم أنهم مخالفون للرسول، وإن كانت مقالتهم هذه لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في جميع تكفير المعنيين)،
فإذا عرفت هذا؛ فتكفير المعين من الجهال وأمثالهم لا يجوز إلا بعد إقامة الحجة عليهم، والحجة يجب أن تكون على مستوى فهمهم ويعطى لعقولهم منازلها حتى يستوعبوا الحجة والأدلة،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛
كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول؛ أقصر فوجده يوما على ذنب فقال له؛ أقصر فقال؛ خلني وربي ابعثت علي رقيبا؟ فقال؛ والله لا يغفر الله لك – أو لا يدخلك الله الجنة!- فقبض أرواحهما، فاجتمعتا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد؛ كنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب؛ اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر؛ اذهبوا به إلى النار)، قال ابو هريرة؛ والذي نفسي بيده! لتكلم بكلمة أو بقت دنيا وأخرته)،
والكفر ضد الإيمان إلا أن الكفر في لسان الشرع كفران؛ إذ يرد الكفر في النصوص مرادا به أحيانا الكفر المخرج عن الملة، وأحيانا يراد به الكفر الغير المخرج عن الملة، وذلك أن للكفر شعبا، والكفر ذو أصول وشعب متفاوتة؛ ومنها ما توجب الكفر، ومنها ما هي خصال الكفار،
أولا؛ كفر اكبر مخرج من الملة، ويسمى الكفر الأعتقادي؛
وهو ما يناقض الإيمان ويبطل الإسلام، جحد ما لا يتم الإسلام بدونه، وهو موجب للخلود في النار، ومخرج من الإيمان، ويكون بالإعتقاد والقول والفعل، وينحصر في خمسة أنواع؛
1)كفر التكذيب؛ وهو اعتقاد كذب الرسل، أو دعاء أن الرسول جاء بخلاف الحق، أو من أدعى أم الله حرم شيئا أو أحاه مع علمه؛ بإن ذلك خلاف أمر الله ونهيه،
2)كفر الإباء والاستكبار مع التصديق؛
وذلك بأن يقرأ ما جاء به الرسل حق من عند ربه؛ لكنه يرفض اتباعه بطرا واحتقارا للحق وأهله، ككفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولم ينكره، ولكن قابله بالإباء والإستكبار،
3)كفر الإعراض؛
بأن يعرض ما يسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ويكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إليه البتة، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرب من الأماكن التي يذكر فيها الحق؛ فهو كافر كفر إعراض
4)كفر النفاق؛
وهو إظهار متابعة ما جاء به الرسول مع رفضه وجحده بالقلب؛ فهو مظهر للإيمان مبطن للكفر،
5)كفر الشك؛
بإن لا يجزم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ولا كذبه؛ بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه؛ إذ المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول من ربه حق لا مرية فيه، فمن تردد في إتباعه لما جاء به الرسول أو جوز أن يكون الحق خلافه؛ فقد كفر كر شك وظن،
وهذه الأنواع من الكفر؛ موجبة للخلود في النار، ومحبطة لجميع الأعمال، إذا مات صاحبها عليها قال؛
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)،
وقال؛
(لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)،
ثانيا؛ كفر أصغر غير مخرج من الملة ويسمى الكفر العملي؛
أطلق عليه الشارع لفظ الكفر؛ على سبيل الزجر والتهديد، وهو من كبائر الذنوب، الموجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، ويتناول جميع المعاصي؛ لأنها من خصال الكفر، وليس المراد به الكفر هو نقيض الإيمان، ومن الأمثلة على ذلك؛
قتال المسلم، أو الحلف بغير الله، أو الحكم بغير ما أنزل الله في بعض الأمور، وأتيان الكهان وتصديقهم، وإتيان المرأة في دبرها، أو قول المؤمن لإخيه يا كافر، وغيرها من الكفر الأصغر، قال الله تعالى؛(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم؛ (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)،
وقال؛(لا ترجعوا بعدي كفرا يضرب بعضكم رقاب بعض)،
وقال؛(من حلف بغير الله، فقد أشرك أو كفر)،
وقال؛(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب المر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)،