بقلم : ساهر الأقرع .
رعشةٌ
غريبة انتابتني كأنها قادمةٌ من وخز الضمير بعدما رأيتُ لفترة طويلة صور
قتل المواطنين وقصف المنازل وعمليات الخطف وإطلاق النار علي المواطنين في
منازلهم وهم آمنين بها.
دعوني
أعترف لكم وهو ما يغضب كثيرين من الفلسطينيين مني مُعتبرين أن هناك ثأراً
شخصيا بيني وبينكم، باعتبار أن هذا الثأر لا علاقة لهم به وهي شهادة حسن
سير وسلوك تحسب في ميزان حسناتكم ، بأنني ظللت لفترة لا أتذكر طولها
وعرضها وثقلها أواجهكم بأفعالكم ، وأصب جَمّ غضبي على كل من لا يقول لكم
انتم مخطئون في منامه ويقظته. أحسبكم شاهدتم جميع هذه الحقائق وقرأتم
التقارير، وحكي لكم مستشاريكم عما تفعلوا بأبناء وطنكم وشعبكم .
وأغلب
الظن أن أحدهم همس في أذنكم وأنتم تتلذذون بهذه المشاهد بأنَّ هؤلاء قوات
لحد يعارضونكم، وكلاب لا تستحق أن يُلقي إليها أبنائكم .
حبست
دموعي وأنا أشاهد الأم المشلولة توافق على كل الانتهاكات والضرب والذل
والتعذيب ضد ابنها البريء ، إلا ما حدث عندما خطفوه عناصركم من منزله
وقاموا بسحبة من رقبته أمام باقي قواتكم والأحباب وربما مناصريكم أيضا.
مواطن
فتحاوي يعمل في الأجهزة الأمنية وهو عائد إلي منزله ليخطف ، فقد حمل معه
إلى رب العباد شكواه، أما هذا الذي يقول بأنه كان يضغط على أعصابه ويضم
فخذيه جيدا لئلا تدخل بعض أجزاء العصا في فتحة الشرج فقد قتلتني كلماته
مئة مرة في دقائق معدودة ، ولو أرهفت السمع قليلا فربما اخترقت أذنيكم
لعناتي عليكم قبل أن تصل إلى السماء السابعة.
أتفهم
تماما أن يقوم أسيادكم من الخارج بإرسال من يعجزون عن إجباره على الاعتراف
كذبا ، ليقع بين أيدي جلاوزة نظامكم التي تهدف إلي قتل الكل الفتحاوي
بقطاع غزة ، لكنني أتعجب من الحد الفاصل بين الإنسان وفيه روح الله وبين
إبليس متجسدا فيكم وقد استلقيتم على مقعد هزاز في قصور العروبة ، وتشاهدوا
بنشوة وتلذذ وشبق واستعذاب كل التفاصيل اللعينة لمواطنيكم ولشعبكم ،
وعناصركم ينزعون عنهم ملابسهم ، ويتم الاختيار بين ورق مقوى أو عصا رفيعة
لتدخل في الدبر، ويضحك أمناء مناصريكم والمرشدون وكل منهم يُمَنّي نفسه
بأن يسعدكم ، ويبهجكم ، فمصيركم تعرفونه جيداً وكان وما زال الخطف والقتل
أمام الجميع ووكالات الأنباء جس نبض لمعرفة الحد الأقصى قبل الأمر بتعذيب
جماعي يقوم به كلاب أمنكم ضد من لا ينتمون إليكم .
ماذا
يفيد حلمي في حبل مشنقة يلتف حول أعناقكم قبل أن يَقرأ عليكم ممثل العدالة
قائمة بكل جرائمكم ، فقد نجحتَم بالدخول إلى المنطقة الأكثر وعورة وحساسية
وسرية في النفس الفلسطيني ، وعبثتم بأزرارها ، وقمت بتخريبها. لذا لا
يكترث الفلسطينيون لو كتبت أنا أو غيري لهم آلاف الحكايات ، وحاولت
إقناعهم بأن فلسطين لا تزال وطنهم إنهم لا يصدقونني ويظنون أنني أسُبّكم
وأشتمكم وألعنكم انطلاقا من ثأر شخصي بيني وبينكم ، لو علم كل فلسطيني علم
اليقين أن هذا الثأر الشخصي بين كل منا وبينكم لما بقيتم في قصوركم التي
بنيتموها بدم الشرفاء يوما أو بعض يوم .
لو
فكر كل فلسطيني لدقيقتين أو أقل أو أكثر بأن ابن وطنه الذي أجبروه على
ارتداء قميص نوم حريمي ليكون رمزا لكل فلسطيني في عهدكم عهد الشعارات
الرنانة شعارات الكذب ، لانتفضت فلسطين كلها وهربتم أنتم ، كما تهرب
الفئران المذعورة.
هل
تصدقون بعد كل ما فعلتموه بشعبكم أن يجد كثيرون لكم تبريرات لا نهائية ،
ويرفضون تَحَمُّل المسؤولية الأخلاقية والأدبية والإنسانية والوطنية
والدينية ؟؟؟ رسالتي تلك بعيدة تماما عن الحديث في تفاصيل كل جرائمكم ،
فقد اكتشفت أن الفلسطينيون لا يقرؤون ، وأنهم يكتفون بعنوان المقال وسطرين
أو ثلاثة ، وأنهم يعتبرون أنفسهم في معركة ضد منتقديكم ، فيبحثون عن أعذار
واهية ، فهذا الشخص لا يقيم في فلسطين، ولا ينبغي أن يُعَلّمهم أصول النقد
، ولا يحق له تنبيهكم لما يحدث لأنهم في قلب فلسطين يكتوون بالنار ويرفضون
من يقوم بتذكيرهم بها.
لكنها
رسالة تختلف عن كل كتاباتي السابقة ، فهي تمنيات بأن يلعنكم الله في
الدنيا والآخرة. أكتب منذ ستة سنوات ، ورسالتي تلك تخرج عن كل أصول
الكتابة ومفردات اللغة المتعارف عليها بين الطيبين والودعاء والمسالمين
وحتى أنصاف المعارضين. أكتب عن حلمي في حبل مشنقة حول أعناقكم ، شريطة أن
تمر أمام أعينكم على شاشة ضخمة كل صور الانتهاكات في عهدكم الأسود ، وترون
أبناء شعبكم الفلسطيني الذي أجبرتموه أن يري نجمة داوود ترتسم علي جسده ،
وأن تسمعون صراخ شاب فلسطيني يدعو كل قاتل إلي التعقل والعودة إلي رشده ،
ويقتلوا فيه كل ذرة رجولة كان يحتفظ بها لزمن أسود قاتم قد تكون فيه بارقة
أمل.
أعرف
أنكم تعرفون كل التفاصيل وأكثر منها ، وما أسرده الآن قطرة من سبعة بحور
تلف الدنيا، لكنني أريد فقط أن أُشهد الله ونفسي وضميري وأخلاقي وكل من
صَدّق هذا القلم أنني ماض في معارضتكم وكشف جرائمكم بدون مخافتي منكم ،
وأنني أحتقر كل من يجد لكم مبررات سواء في الصمت تجاه ما يحدث أو تأويل
كلامي أو العبث بموضوعي إشغالا للآخرين عنه.
لم
أشعر في حياتي بأن الإنسان فعلا في أسفل السافلين إلا بعد مشاهدتي لجرائم
القتل والتدمير التي تأمرون بها حراسة أمنكم. غاضبٌ أنا على كل صامت ، وكل
من يعرف تفاصيل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية ثم يغمض عينيه ، ويتحدث في
موضوعات أخري ، ويحيل الأمر إلى القدر، وإلى صانع القَدَرِ كأننا حيوانات
لا تحمل قَدْراً صغيرا من الأخلاق والمبادئ والقيم والمثل والإنسانيات.
غاضب
أنا على كل من يقرأ كلماتي، ويحذف منها لعناتي عليكم ، ويبتسم ظنا منه أن
الكتابة ليست إشتعالا وحرقا ووخزا للضمير، لكنها تأدية واجب ، أو رفاهية
عاطل، أو وصف غير دقيق لقلم لا يعيش إنجازاتكم. غاضب أنا على الجميع وعلى
نفسي وعلى الكون كله ، فإذا كان من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس
جميعا ، فإن من أجبر هذا المواطن على ارتداء ملابس نسائية ، أجبرنا جميعا
، كل رجال فلسطين في الداخل والخارج على ارتداء نفس الملابس ، وأن العصا
التي دخلت في دبر المواطن الذي طالبني بعدم الكشف عن اسمه ، عناصركم
يضحكون ملء وجوههم البشعة قد أدخلوها في مؤخراتنا جميعا.
أقدم
اعتذاري الشديد للغة الضاد التي أحبها وأحترمها ، وتمد قلمي ولساني بما
تجود به على عاشقيها ، لكن رسالتي تلك خارجة من بركان فيه حمم تقذف كل من
يقف في طريقها. الآن ... الآن فقط سمحت عيناي لدموعي بأن تنزلق على وجهي ،
ومعذرة لكل من ليس به عمى أو صمم وآذت أُذنيه وعينيه كلماتي .